كاتب المقال:
أ.د. محمد باسل عمارة
أستاذ تحليل و ميكانيكا الإنشاءات
رئيس قسم الهندسة المدنية (الأسبق)
وكيل كلية الهندسة (المطرية) لشئون خدمة المجتمع و تنمية البيئة
عضو اللجنة العليا للتحول الرقمي
عضو اللجنة العليا للمنشآت الجامعية
جامعة حلوان
بريد إلكتروني: Prof.dr.basil.emara@m-eng.helwan.edu.eg
Facebook: Basil Emara
لا يختلف العقلاء على أن العلم و المعرفة هما أساس تقدم الدول و الأمم.. ما من دولة أو أمة أولت إهتمامها بهما إلا و تبوأت مكانتها بين الأعظم في تاريخ البشرية.. و لنا في أجدادنا الفراعنة العظماء أسوة رائعة في التقدم غير المسبوق و الدليل؛ إستمرارية الحضارة الفرعونية العظيمة لعدة آلاف من السنين نتيجة لتعظيمهم مكانة العلم و العلماء… كذلك كانت الحضارتان العربية و الإسلامية و اللاتي أنجبتن للعالم أعظم العلماء في مجالات عدة منها الطب و الكيمياء و الرياضيات و الفلك و اللغة…
و مما لا شك فيه أن الدولة المصرية الحديثة و على مدار السنوات الست الماضية قد بدأت الإستثمار في العلم و التعليم كونه حجر الأساس لتقدم الشعب المصرى و من ثم، الدولة المصرية.. و يتجلى هذا واضحاً بشدة في خطط تطوير التعليم سواءاً كان التعليم الأساسي في المدارس أو التعليم العالي في الجامعات و المعاهد… ما هو الدليل ؟ الدليل هو التوسع غير المسبوق في إنشاء المدارس و الجامعات الجديدة و تطوير الموجود منها.. و لكن هل إكتفت الدولة بالزيادة الكمية Quantitative فقط ؟ الإجابة هي لا ..!! لقد إهتمت الدولة أيضاً بالجودة التعليمية Qualitative learning في المؤسسات التعليمية و كان هذا واضحاً تماماً بعدم قصر تطوير التعليم على “الكَم” Quantity و لكن أيضاً على “الكَيْف” Quality.. و كذلك كان إهتمام الدولة بتنوع الجامعات الجديدة لتدخل في شراكات مع نظيراتها العالمية لنقل العلم و المعرفة و التكنولوچيا في المجالات المختلفة… و أضحت كذلك المؤسسات التعليمية تهتم بتخفيض عدد الدارسين في الفصول مع تطوير و زيادة إستخدام التكنولوچيا المتقدمة و الإنترنت في العملية التعليمية.. فأصبحنا نرى إستخدام الحاسبات و التابلت بصورة ثابتة في الدراسة مع إستخدام أجهزة العرض الحديثة لتدريس المناهج.. و خلال الفترة الأخيرة و نتيجة لجائحة كورونا، أصبحنا نرى التواصل عبر برامج الڤيديو كونفيرينس Video Conference سواءاً للتدريس أو للتدريب أو لعقد الإجتماعات و المؤتمرات على شبكة الإنترنت online و يعتبر هذا أيضاً جزءاً لا يتجزأ من التحول الرقمي Digital Transformation…
و لكن هل يجب أن نكتفي أيضاً بذلك ؟ في العصر الحديث أصبح التعليم و الشهادة الأكاديمية لا يكفيان وحدهما لصقل الشخصية لتكون قيادية Leader أو رائدة للأعمال Entrepreneur… هنا يأتي دور التدريب و التطوير و التثقيف.. و هنا لا نتكلم فقط عن أعضاء هيئة التدريس، بل أيضاً الطلاب و كذلك الموظفين و العاملين في شتى المؤسسات سواءاً مؤسسات عامة أو خاصة… فالتدريب يرفع و يطور إمكانات الفرد لأداء مهام وظيفته بكفاءة و التثقيف يزيد من قدرة الفرد على إدراك و إستيعاب مستجدات الأحداث و أبعادها و ربطها بعلمه و تدريبه و من ثم التعامل معها بصورة فاعلة تساعده على إتخاذ القرار السليم في التوقيت الصحيح… و لا أعني بالتأكيد الأحداث داخل الدولة الواحدة فقط و لكن، المقصود هو أيضاً الأحداث الإقليمية في محيط إقليم هذه الدولة و كذلك الأحداث العالمية… و بالنسبة للجامعات مثلاً، فهي توفر برامج و دورات تدريبية في مجالات متعددة للسادة أعضاء هيئة التدريس سواءاً كانت متطلبات ترقية أو لغرض التدريب على موضوعات بعينها و مثال للأخيرة تدريب أعضاء هيئة التدريس مؤخراً على إستخدام منصات التدريس عن بعد Online.. و توجد أيضاً برامج تدريبية متقدمة للموظفين و العاملين لزيادة الفاعلية الوظيفية و صقل الكوادر في إطار قانون الخدمة المدنية الجديد…
و يجب هنا الإشارة إلى إختلاف تعريف المدير Manager عن تعريف القائد Leader عن تعريف رائد الأعمال Entrepreneur… فليس كل مدير يحمل صفات القيادة و كلاهما ليسا بالضرورة يحملان صفات رائد أعمال.. فإذا تحدثنا عن صلة ذلك بمؤسساتنا الجامعية، فإنه نتيجة لإرتباط المؤسسات الجامعية الآن بالصناعة بصورة مباشرة نتيجة مثلاً لوجود مراكز الإستشارات بأنواعها المختلفة الهندسية و القانونية و المحاسبية و الترجمة إلخ.. و الوحدات الإنتاجية مثل المستشفيات الجامعية و وحدات الترجمة و الورش الإنتاجية إلخ..، فقد أصبح لزاماً أن يكون بالكليات بعض القيادات التي لديها فكر تطوير و ريادة الأعمال… لماذا ؟ لخلق و تطوير أعمال تجلب عائداً مادياً جيداً للكليات، و من ثم، الجامعات يساعدها على تنفيذ خططها الإستراتيچية مع تخفيف العبأ على ميزانية الدولة و بالتالي توجيه جزأ من هذه الميزانية لتنفيذ خطط الدولة الإستراتيجية الأكثر إحتياجاً و إلحاحاً… و يظهر جلياً هنا دور قطاع خدمة المجتمع و تنمية البيئة على مستوى الكليات حيث أن القائمين عليهم لابد و أن يتمتعوا بهذه الصفات و يكون لديهم تواصل كبير مع الصناعة و التجارة و قدرة على التسويق للتعاون مع هذه الجهات و جذب مشروعات لخدمة قطاع خدمة المجتمع و تنمية البيئة بكافة أفرعه و من ثم زيادة دخل الجامعة… و كذلك يأتي دور الجامعات في تخطيط و تنفيذ تدريب طلاب السنوات النهائية، و خاصة من لديهم صفات رواد و مطوروا الأعمال، لزيادة علمهم و كفاءتهم و لصقل مهاراتهم في كيفية ريادة و تطوير و قيادة الأعمال…
و لنا في ذلك حديث آخر بإذن الله تعالى….
وفقنا الله جميعاً لما فيه خير جامعتنا العريقة و بلدنا الحبيب مصر، و حفظنا الله جميعاً من شر الأمراض و الأوبئة….
